وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان
وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان
-A +A
«عكاظ» (جدة)

أكد وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، أن حكومة المملكة ترفض أي محاولة لربط الإسلام بالإرهاب، وتدعو إلى نشر ثقافة الاحترام، والتقبل، والتسامح، والتعايش الكريم، مجددا التأكيد على أن القضية الفلسطينية «كانت ولاتزال هي قضيتنا الأولى».

وشدد وزير الخارجية في كلمته التي ألقاها في الدورة الـ47 لمجلس وزراء الخارجية التي عقدتها الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي اليوم (الجمعة) تحت عنوان «متحدون ضد الإرهاب من أجل السلم والتنمية» وتستمر يومين، مترئسا وفد المملكة في أعمال الدورة، على أهمية البدء فعليا بالعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة في ‏الدول الإسلامية ‏وفقا لاحتياجات وأولويات كل دولة من خلال التعاون والشراكة مع المؤسسات التنموية التي من شأنها تحسين جودة الحياة المعيشية، مشيرا إلى أن المملكة وبصفتها رئيس الدورة الحالية للقمة الإسلامية، فإنها عبرت ‏من خلال أجندة جدول أعمال قمة قادة دول مجموعة العشرين عن طموحات وآمال شعوب الدول الإسلامية الأعضاء في هذه المنظمة.

وأعلن وزير الخارجية مبادرة المملكة العربية السعودية بالتبرع بقطعة أرض، والبدء بتشييد مبنى لائق لمقر المنظمة، ومبادرتها بتسديد المساهمات الإلزامية المتأخرة على الدول الأعضاء الأقل نموا في منظمة التعاون الإسلامي حتى نهاية ديسمبر 2019، وترحيبها بمن يختاره أعضاء المنظمة أمينا عاما للمنظمة من المجموعة الأفريقية، وذلك حرصا من المملكة على أهمية العمل الإسلامي المشترك والدور المميز الذي تقوم به المنظمة.

ولفت الأمير فيصل بن فرحان إلى أن ميثاق المنظمة أكد أهمية الاسترشاد بالقيم الإسلامية النبيلة، الممثلة في السلام والتراحم والمساواة والعدل والكرامة والإنسانية، وضرورة الدعوة إلى تعزيز التفاهم والحوار بين الحضارات والثقافات والأديان ودعم الوسطية والتسامح.

وقال: «إن سنة الكون تدعو إلى المضي للأمام نحو التقدم والتجديد والتطوير. لقد مضى خمسون عاما على إنشاء منظمة التعاون الإسلامي، وهي ثاني أكبر منظمة دولية بعد منظمة الأمم المتحدة، وتمثل أكثر من ثلث سكان العالم. وعلينا جميعا العمل سويا في سبيل تطويرها وتطوير الأجهزة التابعة لها، للارتقاء بعملها وتفعيل دورها لمجابهة التحديات الإقليمية والدولية التي تمر بها الدول الإسلامية، ولتتمكن من لعب دور أساسي في الساحة الدولية، والتعاون مع كافة الفعاليات الإقليمية والدولية لإرساء الأمن والسلم في العالم، وتحقيق تطلعات شعوبنا في التنمية المستدامة والرخاء الاقتصادي ومعالجة قضايا الدول الأعضاء فيها بفعالية».

وأضاف: «نجتمع اليوم في وقت يعاني فيه العالم من هجمات وأعمال فردية متطرفة، تنسب إلى الإسلام، والإسلام منها براء، فقد جاء هذا الدين السماوي القويم في مضمونه وتوجيهاته نابذا للإرهاب، والعنف والتطرف والتعصب»، داعيا إلى قيم الوسطية والاعتدال وقبول الآخر، والتعايش السلمي الإنساني.

وأوضح أن قضية مكافحة الإرهاب قضية فكرية في المقام الأول؛ إلى جانب كونها قضية أمنية، لذا كان لزاما على المجتمعات أن تعمل على ترسيخ الفكر المعتدل لشعوبها من خلال نشر الوعي وتنشئة الأجيال على أهمية تقبل الآخر واحترامه، مهما كان لونه، أو جنسه، أو دينه، أو انتماؤه، فالاختلاف لا يستدعي الخلاف بل هو سنة كونية اقتضتها حكمة الله البالغة قال تعالى: «ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» ومن هنا تستنكر بلادي كل ما من شأنه المساس بالرموز الدينية، وتؤكد على أهمية نبذ الأعمال والممارسات التي تولد الكراهية والعنف والتطرف، فمن خلال تقبل الثقافات الأخرى، وتعزيز الحوار المشترك بين الأديان، ودعم ثقافة احترام التنوع، وإرساء قواعد العدل والسلام بين الأمم والشعوب؛ سيعم السلام أنحاء هذا العالم.

وقال وزير الخارجية: «امتدادا لجهود المملكة العربية السعودية في نشر قيم الإسلام المعتدل، وإبراز المنهج الإسلامي الحقيقي الوسطي؛ رعى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود المؤتمر الدولي حول قيم الوسطية والاعتدال الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في رحاب مكة المكرمة في شهر رمضان لعام 1440. وقد شهد المؤتمر لقاء تاريخيا حضره جمع كبير من أصحاب الفخامة والمعالي والفضيلة العلماء، وكبار المسؤولين والمفكرين في العالم الإسلامي لإعلان وثيقة مكة التي صادق عليها 1200 مفتٍ وعالم، من كافة المذاهب الإسلامية، ومن 139 دولة، والتي تحمل في طياتها قيم الإسلام السمحة للبشرية جمعاء، موضحة المنهج السوي للخطاب الديني من منبعه الأصيل، ومن قبلته الجامعة: مكة المكرمة، وجاءت هذه الوثيقة السامية مبينة منهج الإسلام المتزن والمعتدل، فلا غلو ولا تشدد، مؤكدة على أن أمة الإسلام أمة وسط، فقد قال تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا» وأكدت هذه الوثيقة على عدد من المضامين والأسس التي تؤصل مبادئ التسامح والسلام بين البشر، وأشارت إلى أن التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية لا يبرر الصراع والصدام بل يستدعي إقامة شراكة حضارية إيجابية، وتواصلا فاعلا يجعل من التنوع جسرا للحوار والتفاهم والتعاون لمصلحة العالم أجمع، ونصت في بندها السابع على براءة الأديان من تطرف معتنقيها، فالتطرف لا يعبر إلا عن أصحابه، فالشرائع المتعددة تدعو إلى عبادة الخالق وحده وحفظ النفس، ومن هنا ترفض حكومة بلادي المملكة العربية السعودية أي محاولة لربط الإسلام بالإرهاب، وتدعو إلى نشر ثقافة الاحترام، والتقبل، والتسامح، والتعايش الكريم».

وأشار إلى أن المملكة أنشأت المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف «اعتدال» الذي يعد أحد جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في سبيل التعاون المشترك مع قادة دول العالم من أجل التصدي لظاهرة الإرهاب عبر طرق حديثة أجمع المختصون على فاعليتها. «كما تحتضن بلادي التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، مؤكدة أن العالم الإسلامي الذي عانى طويلا من جرائم الإرهاب هو الأولى بالتصدي لهذه الآفة العالمية».

وحول القضية الفلسطينية، أكد «أنها كانت ولاتزال هي قضيتنا الأولى»، مشددا على موقف المملكة الثابت من القضية الفلسطينية، والداعم لحق الشعب الفلسطيني الشقيق في نيل ‏كامل حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق ‏قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية للعام 2002، مع التأكيد على أن السلام العادل والشامل هو الخيار الإستراتيجي لتحقيق ذلك.

وقال: «تقف المملكة العربية السعودية قلبا وقالبا لدعم الاستقرار والسلام والحلول السياسية لأزمات سورية وليبيا واليمن وأفغانستان وقرة باخ، وتدعو جميع الأطراف للسعي الجاد لتحقيق ذلك بوقف القتال والجنوح للسلم، والحوار السياسي بين جميع المكونات، واحترام الشرعية الدولية والوطنية».

واستعرض ما تعرضت له المملكة من هجمات إرهابية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، رغم دعوتها لوقف القتال، وتأييدها للحل السياسي في اليمن الشقيق، ودعمها لجهود الأمم المتحدة، واستمرارها بدور المانح الأكبر للمساعدات الإغاثية والإنسانية للأشقاء في اليمن.

وقال وزير الخارجية: «انطلاقا من سعي حكومة المملكة العربية السعودية إلى تجنيب الجمهورية اليمنية وشعبها الشقيق ويلات الأزمة التي تسببت بها المليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران، تم التنسيق مع وكالة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لعقد مؤتمر المانحين للجمهورية اليمنية 2020 بالمملكة افتراضيا خلال شهر يونيو الماضي، حيث بادرت المملكة بالإعلان عن تقديم دعم بمبلغ (500) مليون دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، وخصص (25) مليون دولار للمساعدة في مواجهة انتشار فايروس كورونا في اليمن، كما وجهت المملكة الدعوة للحكومة اليمنية وقيادة المجلس الانتقالي للتشاور لإنهاء الأزمة بين الطرفين، والبدء في عمليات وقف إطلاق النار والتصعيد وصولا إلى توقيع تنفيذ اتفاق الرياض وترتيباته السياسية والعسكرية والأمنية بتاريخ 5 نوفمبر 2019، كما أن المملكة جمعت الطرفين للتوصل لوضع آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض بتاريخ 28 يوليو2020».

وأضاف «إن ما تعرضت له بعض الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية يؤكد ضرورة العمل على إيجاد السبل الكفيلة لحل مشكلاتها وحماية حقوقها وصون هويتها الإسلامية، وفي هذا الإطار تثمن المملكة العربية السعودية جهود اللجنة الوزارية المخصصة ‏لمنظمة التعاون الإسلامي والمعنية بالمساءلة‏ عن ‏انتهاكات حقوق الإنسان ضد جماعة الروهينغا».

وتابع «إدراكا من حكومة المملكة لأهمية الأمن والاستقرار في العالم وفي منطقة جنوب آسيا تحديدا ودعم الجهود السلمية لحل النزاعات في القضايا الدولية، فقد قامت المملكة بدعم جهود الأمم المتحدة المبذولة للتوصل إلى حل عادل لقضية جامو وكشمير يفضي إلى استقرار المنطقة وضمان الحقوق المشروعة لشعب جامو وكشمير وفقا للقانون الدولي».

وأكد الأمير فيصل بن فرحان أن الشراكة الدولية الفعالة هي الطريق الموثوق نحو تخطي الأزمات والتحديات، وأن المملكة العربية السعودية كانت ولازالت تمد أياديها البيضاء للترحيب بالدول الصديقة والشقيقة المحبة للسلام، المحترمة لحق الجوار، الساعية لإحلال الأمن والسلم في المنطقة، النابذة لأعمال الدمار والكراهية والعنف، لتحقيق عالم ينعم بالاستقرار والطمأنينة والسلام للشعوب، والمضي به قدما نحو ميادين الرفعة والرقي والسمو.